كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{الله الذي رَفَعَ السموات} مبتدأ وخبر ويجوز أن يكون الموصول صفة والخبر: {يُدَبّرُ الأمر}. {بِغَيْرِ عَمَدٍ} أساطين جمع عماد كإهاب وأهب، أو عمود كأديم وأدم وقرئ: {عَمَدٍ} كرسل. {تَرَوْنَهَا} صفة ل: {عَمَدٍ} أو استئناف للاستشهاد برؤيتهم السموات كذلك، وهو دليل على وجود الصانع الحكيم فإن ارتفاعها على سائر الأجسام السماوية لها في حقيقة الجرمية، واختصاصها بما يقتضي ذلك لابد وأن يكون بمخصص ليس بجسم ولا جسماني يرجح بعض الممكنات على بعض بإرادته وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات. {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} بالحفظ والتدبير. {وَسَخَّرَ الشمس والقمر} ذللهما لما أراد منهما كالحركة المستمرة على حد من السرعة ينفع في حدوث الكائنات وبقائها. {كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّى} لمدة معينة يتم فيها أدواره، أو لغاية مضروبة ينقطع دونها سيره وهي: {إِذَا الشمس كُوّرَتْ وَإِذَا النجوم انكدرت}: {يُدَبِّرُ الأمر} أمر ملكوته من الايجاد والإِعدام والإِحياء والإِماتة وغير ذلك. {يُفَصِّلُ الآيات} ينزلها ويبينها مفصلة أو يحدث الدلائل واحدًا بعد واحد. {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} لكي تتفكروا فيها وتتحققوا كمال قدرته فتعلموا أن من قدر على خلق هذه الأشياء وتدبيرها قدر على الإِعادة والجزاء.
{وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض} بسطها طولًا وعرضًا لتثبت عليها الأقدام ويتقلب عليها الحيوان. {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ} جبالًا ثوابت من رسا الشيء إذا ثبت، جمع راسيه والتاء للتأنيث على أنها صفة أجبل أو للمبالغة. {وأنهارا} ضمها إلى الجبال وعلق بهما فعلًا واحدًا من حيث إن الجبال أسباب لتولدها. {وَمِن كُلِّ الثمرات} متعلق بقوله: {جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين} أي وجعل فيها من جمع أنواع الثمرات صنفين اثنين كالحلو والحامض، والأسود والأبيض والصغير والكبير. {يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ} يلبسه مكانه فيصير الجو مظلمًا بعدما كان مضيئًا، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: {يُغَّشِي} بالتشديد. {إِنَّ في ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيها فإن تكونها وتخصصها بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبر أمرها وهيأ أسبابها.
{وَفِى الأرض قِطَعٌ متجاورات} بعضها طيبة وبعضها سبخة، وبعضها رخوة وبعضها صلبة، وبعضها تصلح للزرع دون الشجر وبعضها بالعكس. ولولا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجه دون وجه لم تكن كذلك، لاشتراك تلك القطع في الطبيعة الأرضية وما يلزمها ويعرض لها بتوسط ما يعرض من الأسباب السماوية، من حيث أنها متضامة متشاركة في النسب والأوضاع. {وجنات مّنْ أعناب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} وبساتين فيها أنواع الأشجار والزروع، وتوحيد الزرع لأنه مصدر في أصله. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص: {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} بالرفع عطفًا على: {وجنات}. {صنوان} نخلات أصلها واحد. {وَغَيْرُ صنوان} متفرقات مختلفات الأصول. وقرأ حفص بالضم وهو لغة بني تميم ك: {قنوان} في جمع قنو. {تُسْقَى بِمَاء واحد وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ في الأكل} في التمر شكلًا وقدرًا ورائحة وطعمًا، وذلك أيضًا مما يدل على الصانع الحكيم، فإن اختلافها مع اتحاد الأصول والأسباب لا يكون إلا بتخصيص قادر مختار. وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب: {يسقى} بالتذكير على تأويل ما ذكر، وحمزة والكسائي يفضل بالياء ليطابق قوله: {يُدَبّرُ الأمر}: {إِنَّ في ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم بالتفكر: {وَإِن تَعْجَبْ} يا محمد من إنكارهم البعث. {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} حقيق بأن يتعجب منه فإن من قدر على إنشاء ما قص عليك كانت الإِعادة أيسر شيء عليه، والآيات المعدودة كما هي دالة على وجود المبدأ فهي دالة على إمكان الإِعادة من حيث إنها تدل على كمال علمه وقدرته وقبول المواد لأنواع تصرفاته. {أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ} بدل من قولهم أو مفعول له، والعامل في إذا محذوف دل عليه: {أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ}. {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ} لأنهم كفروا بقدرته على البعث. {وَأُوْلَئِكَ الأغلال فِى
أعناقهم} مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم أو يغلون يوم القيامة. {وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} لا ينفكون عنها، وتوسيط الفصل لتخصيص الخلود بالكفار.
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} بالعقوبة قبل العافية، وذلك لأنهم استعجلوا ما هددوا به من عذاب الدنيا استهزاء. {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات} عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لم يعتبروا بها ولم يجوزوا حلول مثلها عليهم، والمثلة بفتح الثاء وضمها كالصَدُقَة والصُدْقَة، العقوبة لأنها مثل المعاقب عليه، ومنه المثال للقصاص وأمثلت الرجل من صاحبه إذا اقتصصته منه. وقرئ: {المثلات} بالتخفيف و: {المثلات} بإتباع الفاء العين و: {المثلات} بالتخفيف بعد الاتباع، و: {المثلات} بفتح الثاء على أنها جمع مثلة كركبة وركبات. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} مع ظلمهم أنفسهم، ومحله النصب على الحال والعامل فيه المغفرة والتقييد به دليل على جواز العفو قبل التوبة، فإن التائب ليس على ظلمه، ومن منع ذلك خص الظلم بالصغائر المكفرة لمجتنب الكبائر، أو أول المغفرة بالستر والإِمهال. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب} للكفار أو لمن شاء، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا عفو الله وتجاوزه لما هنأ أحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد».
{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} لعدم اعتدادهم بالآيات المنزلة عليه واقتراحًا لنحو ما أوتي موسى وعيسى عليهما السلام. {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ} مرسل للإنذار كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإِتيان بما تصح به نبوتك من جنس المعجزات لا بما يقترح عليك. {وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ} نبي مخصوص بمعجزات من جنس ما هو الغالب عليهم يهديهم إلى الحق ويدعوهم إلى الصواب، أو قادر على هدايتهم وهو الله تعالى لكن لا يهدي إلا من يشاء هدايته بما ينزل عليك من الآيات. ثم أردف ذلك بما يدل على كمال علمه وقدرته وشمول قضائه وقدره، تنبيهًا على أنه تعالى قادر على إنزال ما اقترحوه وإنما لم ينزل لعلمه بأن اقتراحهم للعناد دون الاسترشاد، وأنه قادر على هدايتهم وإنما لم يهدهم لسبق قضائه بالكفر فقال: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى} أي حملها أو ما تحمله على أي حال هو من الأحوال الحاضرة والمترقبة. {وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ} وما تنقصه وما تزداده في الجنة والمدة والعدد، وأقصى مدة الحمل أربع سنين عندنا وخمس عند مالك وسنتان عند أبي حنيفة. روي أن الضحاك ولد لسنتين وهرم بن حيان لأربع سنين وأعلى عدده لا حد له. وقيل نهاية ما عرف به أربعة وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله عنه، وقال الشافعي رحمه الله أخبرني شيخ باليمن أن امرأته ولدت بطونًا في كل بطن خمسة. وقيل المراد نقصان دم الحيض وازدياده، وغاض جاء متعديًا ولازمًا وكذا ازداد قال تعالى: {وازدادوا تِسْعًا} فإن جعلتهما لازمين تعين إما أن تكون مصدرية. وإسنادهما إلى الأرحام على المجاز فإنهما لله تعالى أو لما فيها. {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ} فإنه تعالى خص كل حادث بوقت وحال معينين، وهيأ له أسبابًا مسوفة إليه تقتضي ذلك. وقرأ ابن كثير: {هَادٍ}: {ووالٍ} و: {وواق}: {وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} بالتنوين في الوصل فإذا وقف وقف بالياء في هذه الأحرف الأربعة حيث وقعت لا غير، والباقون يصلون ويقفون بغير ياء.
{عالم الغيب} الغائب عن الحس. {والشهادة} الحاضر له. {الكبير} العظيم الشأن الذي لا يخرج عن علمه شيء. {المتعال} المستعلي على كل شيء بقدرته، أو الذي كبر عن نعت المخلوقين وتعالى عنه.
{سَوَاءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول} في نفسه. {وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} لغيره. {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّليْلِ} طالب للخفاء في مختبأ بالليل. {وَسَارِبٌ} بارز. {بالنهار} يراه كل أحد من سرب سروبًا إذا برز، وهو عطف على من أو مستخف على أَن من في معنى الإثنين كقوله:
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

كأنه قال سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار، والآية متصلة بما قبلها مقررة لكمال علمه وشموله.
{لَهُ} لمن أسر أو جهر أو استخفى أو سرب. {معقبات} ملائكة تعتقب في حفظه، جمع معقبة من عقبه مبالغة عقبه إذا جاء على عقبه كأن بعضهم يعقب بعضًا، أو لأنهم يعقبون أقواله وأفعاله فيكتبونها، أو اعتقب فأدغمت التاء في القاف والتاء للمبالغة، أو لأن المراد بالمعقبات جماعات. وقرئ: {مَعَاقِيبُ} جمع معقب أو معقبة على تعويض الياء من حذف إحدى القافين. {مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} من جوانبه أو من الأعمال ما قدم وأخر. {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} من بأسه متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له، أو يحفظونه من المضار أو يراقبون أحواله من أجل أمر الله تعالى. وقد قرئ به وقيل من بمعنى الباء. وقيل من أمر الله صفة ثانية ل: {معقبات}. وقيل المعقبات الحرس والجلاوزة حول السلطان يحفظونه في توهمه من قضاء الله تعالى. {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من العافية والنعمة. {حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} فلا راد له فالعامل في: {إِذَا} ما دل عليه الجواب. {وَمَا لَهُمْ مِّنْ دُونِهِ مِن وَالٍ} ممن يلي أمرهم فيدفع عنهم السوء، وفيه دليل على أن خلاف مراد الله تعالى محال.
{هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفًا} من أذاه. {وَطَمَعًا} في الغيث وانتصابهما على العلة بتقدير المضاف، أي إرادة خوف وطمع أو التأويل بالإِخافة والإِطماع، أو الحال من: {البرق} أو المخاطبين على إضمار ذو، أو إطلاق المصدر بمعنى المفعول أو الفاعل للمبالغة. وقيل يخاف المطر من يضره ويطمع فيه من ينفعه. {وَيُنْشِئ السحاب} الغيم المنسحب في الهواء. {الثقال} وهو جمع ثقيلة وإنما وصف به السحاب لأنه اسم جنس في معنى الجمع.
{وَيُسَبِّحُ الرعد} ويسبح سامعوه. {بِحَمْدِهِ} ملتبسين به فيضجون بسبحان الله والحمد لله، أو يدل الرعد بنفسه على وحدانية الله وكمال قدرته ملتبسًا بالدلالة على فضله ونزول رحمته. وعن ابن عباس رضي الله عنهما. سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد فقال: «ملك موكل بالسحاب معه مخازين من نار يسوق بها السحاب»: {والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ} من خوف الله تعالى وإجلاله وقيل الضمير ل: {الرعد}. {وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ} فيهلكه. {وَهُمْ يجادلون في الله} حيث يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يصفه به من كمال العلم والقدرة والتفرد بالألوهية وإعادة الناس ومجازاتهم، والجدال التشدد في الخصومة من الجدل وهو الفتل، والواو إما لعطف الجملة على الجملة أو للحال فإنه روي أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدين لقتله، فأخذه عامر بالمجادلة ودار أربد من خلفه ليضربه بالسيف، فتنبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله على أربد صاعقة فقتلته، ورمى عامرًا بغدة فمات في بيت سلولية، وكان يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية، فنزلت. {وَهُوَ شَدِيدُ المحال} المماحلة المكايدة لأعدائه، من محل فلان بفلان إذا كايده وعرضه للهلاك، ومنه تمحل إذا تكلف استعمال الحيلة، ولعل أصله المحل بمعنى القحط. وقيل فعال من المحل بمعنى القوة. وقيل مفعل من الحول أو الحيلة أعل على غير قياس ويعضده أنه قرئ بفتح الميم على أنه مفعل من حال يحول إذا احتال، ويجوز أن يكون بمعنى الفقار فيكون مثلًا في القوة والقدرة كقولهم: فساعد الله أشد وموساه أحد.
{لَهُ دَعْوَةُ الحق} الدعاء الحق فإنه الذي يحق أن يعبد ويدعى إلى عبادته دون غيره، أو له الدعوة المجابة فإن من دعاه أجابه، ويؤيده ما بعده و: {الحق} على الوجهين ما يناقض الباطل وإضافة ال: {دَعْوَةُ} لما بينهما من الملابسة، أو على تأويل دعوة المدعو الحق. وقيل: {الحق} هو الله تعالى وكل دعاء إليه دعوة الحق، والمراد بالجملتين إن كانت الآية في أربد وعامر أن إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من الله إجابة لدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم أو دلالة على أنه على الحق، وإن كانت عامة فالمراد وعيد الكفرة على مجادلة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلول محاله بهم وتهديدهم بإجابة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم، أو بيان ضلالهم وفساد رأيهم. {والذين يَدْعُونَ} أي والأصنام الذين يدعوهم المشركون، فحذف الراجع أو والمشركون الذين يدعون الأصنام فحذف المفعول لدلالة. {مِن دُونِهِ} عليه. {لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَئ} من الطلبات. {إِلاَّ كباسط كَفَّيْهِ} إلا استجابة كاستجابة من بسط كفيه. {إِلَى الماء لِيَبْلُغَ فَاهُ} يطلب منه أن يبلغه. {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} لأنه جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر على إجابته والإِتيان بغير ما جبل عليه وكذلك آلهتهم. وقيل شبهوا في قلة جدوى دعائهم لها بمن أراد أن يغترف الماء ليشربه فبسط كفيه ليشربه. وقرئ: {تدعون} بالتاء وباسط بالتنوين. {وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ في ضلال} في ضياع وخسار وباطل.
{وَللَّهِ يَسْجُدُ مَنْ في السموات والأرض طَوْعًا وَكَرْهًا} يحتمل أن يكون السجود على حقيقته فإنه يسجد له الملائكة والمؤمنون من الثقلين، طوعًا حالتي الشدة والرخاء والكفرة كرهًا حال الشدة والضرورة. {وظلالهم} بالعرض وأن يراد به انقيادهم لإِحداث ما أراده منهم شاؤوا أو كرهوا، وانقياد ظلالهم لتصريفه إياها بالمد والتقليص وانتصاب: {طَوْعًا وَكَرْهًا} بالحال أو العلة وقوله: {بالغدو والآصال} ظرف ل: {يَسْجُدُ} والمراد بهما الدوام أو حال من الظلال، وتخصيص الوقتين لأن الظلال إنما تعظم وتكثر فيهما، والغدو جمع غداة كقنى جمع قناة، و: {الآصال} جمع أصيل وهو ما بين العصر والمغرب. وقيل الغدو مصدر ويؤيده أنه قد قرئ و: {الإِيصال} وهو الدخول في الأصيل.
{قُلْ مَن رَّبُّ السموات والأرض} خالقهما ومتولي أمرهما. {قُلِ الله} أجب عنهم بذلك إذ لا جواب لهم سواه، ولأنه البين الذي لا يمكن المراء فيه أو لقنهم الجواب به. {قُلْ أفاتخذتم مّن دُونِهِ} ثم ألزمهم بذلك لأن اتخاذهم منكر بعيد عن مقتضى العقل. {أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا} لا يقدرون على أن يجلبوا إليها نفعًا أو يدفعوا عنها ضرًا فكيف يستطيعون إنفاع الغير ودفع الضر عنه، وهو دليل ثان على ضلالهم وفساد رأيهم في اتخاذهم أولياء رجاء أن يشفعوا لهم. {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الأعمى والبصير} المشرك الجاهل بحقيقة العبادة والموجب لها والموحد العالم بذلك. وقيل المعبود الغافل عنكم والمعبود المطلع على أحوالكم. {أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظلمات والنور} الشرك والتوحيد. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالياء. {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ} بل أجعلوا والهمزة للإنكار وقوله: {خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ} صفة لشركاء داخلة في حكم الإِنكار. {فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ} خلق الله وخلقهم، والمعنى أنهم ما اتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها، ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلًا عما يقدر عليه الخالق. {قُلِ الله خالق كُلِّ شَئ} أي لا خالق غيره فيشاركه في العبادة، جعل الخلق موجب العبادة ولازم استحقاقها ثم نفاه عمن سواه ليدل على قوله: {وَهُوَ الواحد} المتوحد بالألوهية. {القهار} الغالب على كل شيء.